رياضة

راقصو السامبا بلا إيقاع.. كيف فقدت كرة القدم البرازيلية سحرها؟

لقد كانت كرة القدم في البرازيل دائمًا أكثر من مجرد لعبة، فهي شغف ينبض في قلوب الملايين ويعكس الهوية الثقافية لأمة بأكملها.

من الشواطئ الرملية في ريو دي جانيرو إلى الأحياء الفقيرة في ساو باولو، تعد البرازيل مهد كرة القدم الإبداعية التي أذهلت العالم بالأناقة والمهارة لأجيال عديدة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت هذه الشمعة التي أضاءت عالم كرة القدم تتلاشى تدريجياً.

أصبح تراجع الأداء وفقدان التألق حقيقة مؤلمة للجماهير. منذ أكثر من عقدين من الزمن، تراجعت كرة القدم البرازيلية عن منصات التتويج العالمية وتعرضت لهزائم ثقيلة، باستثناء الفوز بلقب كوبا أمريكا عام 2019.

وحتى بين نجوم كرة القدم تراجع الأداء وزادت الفضائح ومشاكل الفساد التي طالت بعضهم.

وهذه الأزمات تجاوزت البساط الأخضر حتى وصلت إلى أروقة السياسة. وفي الأيام الأخيرة، عبر الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بشكل مباشر عن عدم رضاه عن أداء الفريق في التصفيات الحالية لكأس العالم.

وقال الرئيس البرازيلي: “تحدثت مع رئيس اتحاد الكرة وسألته: لماذا لا يكون لدينا فريق مكون من لاعبين محليين فقط؟”.

أسباب تراجع الأداء

وفي حديث لـ«الشرق»، أشار المحلل الرياضي البرازيلي غوتو مونتي إلى أن هناك عدة عوامل تسببت في خسارة المنتخب البرازيلي لمكانته إقليمياً ودولياً، ولخصها في ثلاث نقاط رئيسية:

النقطة الأولى: فقدان الهوية

يقول جوتو: «لقد فقد العديد من اللاعبين ارتباطهم بهوية كرة القدم البرازيلية. “تاريخيًا، كانت البرازيل مصدرًا للمواهب الدولية في كرة القدم، وبمرور الوقت أصبحت الأسواق الأوروبية وأمريكا اللاتينية وحتى العربية نقاط جذب مهمة للنجوم البرازيليين. وفي عام 2023، سيشكل البرازيليون 10% من إجمالي السوق الدولية”. انتقالات كرة القدم، أي ما يعادل 935 مليون دولار، ومع تزايد رحيل اللاعبين، فقد معظمهم الحمض النووي لكرة القدم البرازيلية، وأقصد هنا مسار أسلوب اللعب الذي يميزنا، وخاصة المهارة الفردية والسرعة مقارنة باللاعبين. الأجيال السابقة.”

وتابع: «على مدى العقدين الماضيين، كان متوسط أعمار اللاعبين المنتقلين إلى الدوريات الأجنبية بين 23 و24 عامًا، لكننا اليوم نشهد رحيلًا مبكرًا للعديد من اللاعبين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عامًا». “إذا كان اللاعبون يتمتعون بمهارات قوية، فإنهم لم يقضوا وقتًا كافيًا في الدوريات المحلية، وبالتالي يذهبون إلى الدوريات حيث يتعين عليهم التعود على أساليب اللعب التي تعتمد على التكتيكات واللياقة البدنية أكثر من الاعتماد على المهارة والسرعة.”

النقطة الثانية: تطوير أفكار المدربين

وقال المحلل البرازيلي أيضًا: «كرة القدم تشهد تطورًا كبيرًا، خاصة من الناحية الفنية. نرى أن العديد من المدربين البرازيليين ما زالوا يعتمدون على الأساليب القديمة ولا يواكبون تطورات التكتيكات الحديثة مثل الضغط العالي وإدارة المساحات. أوروبا أصبحت الوجهة الأولى لتطوير أفضل المدربين.. اللاعبون تكتيكيون، فيما تفتقر البرازيل إلى تجديد الأفكار والأساليب الفنية على المستوى التدريبي، وهو ما يؤثر على الأداء الدولي وحتى المحلي».

النقطة الثالثة: قلة الاستثمار في مراكز التدريب

وقال جوتو لـ«الشرق»: «قلة الاستثمار في مراكز التدريب والأكاديميات الحديثة تؤثر سلباً على تطور اللاعبين والمدربين على حد سواء». البنية التحتية غير المتطورة تقلل من قدرة الشباب على تحقيق مستويات عالية من التدريب الاحترافي، مما يعيق كرة القدم الأوروبية من التطور بسرعة أكبر.

نظرة متفائلة

في العامين الماضيين، شهد المنتخب البرازيلي تولي أربعة مدربين منصب المدير الفني. وبعد إقالة المدرب تيتي، تم تعيين رامون مينيزيس، ثم فرناندو دينيز وأخيراً دوريفال جونيور.

وحول هذا الموضوع، يقول أثرسون أوليفيرا، لاعب منتخب البرازيل السابق (1999-2003)، في حديث لـ«الشرق»: «بعد خروج البرازيل من نهائيات كأس العالم الأخيرة في قطر، بقي المنتخب الوطني بدونه لفترة طويلة كانت هناك أحاديث عن قدوم كارلو أنشيلوتي لتولي منصب المدرب، لكن ذلك لم يحدث”.

وتابع: «خلال الأشهر القليلة الماضية، ومع تولي جونيور المسؤولية، بدأنا نشعر بتغيير إيجابي، ولو طفيف، في أداء الفريق. يتمتع دوريفال بأسلوب لعب مثير للاهتمام، لكنه يحتاج إلى وقت للعمل. سيحتاج إلى المزيد من الألعاب حتى يتمكن من نقل أفكاره للاعبين.

وتابع أثرسون: «في آخر مباراتين بتصفيات كأس العالم 2026، حقق المنتخب الفوز وصعد إلى المركز الرابع في الترتيب، خلف الأرجنتين المتصدرة وكولومبيا صاحبة المركز الثاني والأوروغواي».

وأضاف: «هذا التطور الإيجابي يدعو إلى التفاؤل، خاصة وأن دوريفال جونيور بدأ الاعتماد على ستة لاعبين شباب وجدد في المنتخب الوطني من لاعبي الدوري المحلي. مثل المهاجمين لويس إنريكي وإيجور جيسوس من فريق (بوتافوجو) ولاعبي الوسط ماتيوس بيريرا (كروزيرو) وجيرسون (فلامينجو)، وكذلك الظهير أليكس تيليس (بوتافوجو) والمدافع فابريسيو برونو (فلامينجو).

واختتم أثرسون حديثه لـ«الشرق»: «نعلم جميعاً أن هذا يحدث فارقاً كبيراً في استمرارية العمل ونأمل بالتأكيد أن يتمكن الفريق من التعافي في التأهل واستعادة مكانته المتميزة، لأن البرازيل دائماً مرشح قوي في كل شيء». البطولات.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى