إسرائيل تسعى لتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة حرب
إن أحداث لبنان هي حلقة واحدة من سلسلة الوحشية الإسرائيلية ضد العرب
الصهاينة يخدعون العالم بشعارات كاذبة.. والبربرية هي سمتهم المميزة
“الطيب” فضح المؤامرة الغربية على القضية الفلسطينية
العلمانية «تخاف» من الدين.. والثوابت خط أحمر
الإسلام يضمن حرية المعتقد.. والتعددية هي قانون الكون
الانقسام والصراع.. أسرع وسيلة لتدمير المجتمعات
دكتور. ويعد محمد الدويني، وكيل الأزهر الشريف، أحد رموز الفكر المعتدل في مصر والعالم الإسلامي. وتميز بأسلوبه السهل والهادئ والبسيط في الحديث، الذي يربط الدين بالواقع دون الإخلال بالمبادئ والثوابت.
سماحة د. ولد الدويني في مارس 1965 بقرية مجول مركز سمنود بمحافظة الغربية. حصل سماحته على الشهادة العالية في الشريعة والقانون من جامعة الأزهر عام 1990 بتقدير “جيد جداً” وامتياز. ثم حصل على شهادة التخصص في القانون المقارن بعنوان “كتاب الزواج من مخطوطة تهذيب الأحكام للإمام البغوي” عام 1995. 1998 في موضوع “شرح أحكام المذاهب الثمانية والمقارنة والترجيح بينها ثم المقارنة بالقانون الوضعي وترجيح الاتجاه المناسب على مقتضى الأدلة والمصلحة”.
دكتور. شغل الدويني العديد من المناصب الأكاديمية في الأزهر الشريف وخارجه، حيث عمل معيدًا في قسم القانون المقارن بكلية الشريعة والقانون عام 1991م ثم أستاذًا في أكاديمية السلطان قابوس. حاصل على بكالوريوس العلوم الشرطية في سلطنة عمان عام 2002 وأستاذ مشارك في الشريعة الإسلامية والقانون المقارن في معهد دبي القضائي عام 2014، ثم رئيس قسم القانون المقارن في كلية الشريعة والقانون عام 2018، ثم وكيلاً لنفس الكلية. في عام 2019. كما انتخب رئيسًا لمجمع الأزهر العالمي لتدريب الأئمة والدعاة وباحثي الفتوى وأمينًا عامًا لهيئة كبار العلماء بالأزهر، ثم وكيلًا للأزهر. الأزهر الشريف 2020.
دكتور. وقد أغنى محمد الدويني المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات العلمية والقانونية الرصينة أهمها “التصرف في الأعضاء البشرية من منظور إسلامي.. دراسة مقارنة لآخر الاتجاهات الفقهية المعاصرة” و”أحكام التقسيم” … دراسة فقهية مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون المدني” و”موقف الإسلام”. “، و”فروع في بعض المعاملات المالية المعاصرة”، و”منهج الشريعة الإسلامية في ترشيد الاستهلاك وانعكاساته على التنمية”، و”أحكام زكاة الدين في الفقه الإسلامي” و”موقف الشريعة الإسلامية من القتل”. الرحمة في التعافي الاصطناعي.
التقى «الوفد» بسماحة د. محمد عبد الرحمن الدويني وكيل الأزهر الشريف وهذا نص الحوار ،،،
< البداية. ما هي أكبر التحديات التي تواجه العالم الإسلامي الآن وكيف يمكن الخروج من النفق المظلم الذي تعيش فيه الأمة؟
<< المتابع الدقيق لأوضاع الأمة الإسلامية اليوم يلاحظ أنها تمر بأصعب المراحل وتواجه العديد من التحديات، خاصة في ظل الألم والحزن الذي نعانيه جراء ما يحدث في الدول العربية والإسلامية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، من زعزعة الاستقرار والأمن، إضافة إلى ما يعيشه الشباب الأبي أمام هجمة سافرة تتناقض مع ما يعرفه الناس عن الأديان السماوية والأعراف الدولية ومواثيق الأمم المتحدة والمستهدفة. استهداف الأطفال الأبرياء ودور العبادة والمستشفيات والعزل. ولا ننسى لبنان والتفجيرات الظالمة والمدمرة في ضواحيه. وهذا يؤكد أن الوحشية والهمجية لا تزال من طبيعة الصهاينة الذين يحاولون خداع العالم بشعارات كاذبة، ولا شك أن حالة الصراع والانقسام التي يعيشها أبناء أمتنا العربية قد اعتادوا عليها منذ زمن طويل. لفترة طويلة كان يعتبر من أخطر التحديات التي تصيب أي شخص يعاني من حالة “فقدان التوازن”. » إنه يواجه الأمور الكبيرة، علاوة على ذلك، غير قادر على التعامل بشكل مناسب مع أزماتها المتتالية. نحن ندرك أن كل عصر له خصائصه، عصرنا الحالي، عصر الثقافة الغربية والصناعات الإعلامية عبر القارات الضخمة والشاسعة تهيمن عليها الشركات التي لدينا إمكانيات هائلة وميزانيات ضخمة جداً، مع الحذر في التعامل مع كل ما نواجهه في الشرق من أفكار وقيم من الغرب قد لا تتوافق مع منظومة قيمنا وأخلاقنا. ولذلك يجب أن نتأكد من أننا لا نقبل العكس: فلن نستعيد قدرتنا على النهوض والتقدم وإدارة أزماتنا بمسؤولية والتغلب على هذه الأزمات إلا إذا حققنا الوحدة العربية، ونفذنا سياسات التكامل الاقتصادي وإعطاء الأولوية العامة. المصالح والاتفاق على الرؤى المستقبلية. كما لا بد من التمسك بمنظومة القيم الدينية والأخلاقية التي وهبتها لنا الشريعة الإسلامية، دون التسبب في التطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب بكل أنواعه أو الإهمال الذي يؤدي إلى الانحطاط الأخلاقي والإلحاد، وهو ما يجعله مسؤولية علمائنا في بذل جهود كبيرة لحماية المجتمعات الإسلامية.
< يستغل البعض التراث الإسلامي لتشويه صورة الإسلام الصحيح. فكيف تعامل الأزهر الشريف مع ذلك؟ وماذا عن تطوير المناهج الأزهرية بما يتوافق مع احتياجات العصر؟
<< التراث الإسلامي في حد ذاته ليس مشكلة، بل هو مصدر غني للمعرفة والقيم. ومع ذلك، يمكن أن تنشأ المشاكل عندما يساء فهم هذا التراث أو استخدامه بشكل انتقائي لتبرير أفعال تتعارض مع القيم الإسلامية الحقيقية المتمثلة في التفسير المشوه والاستخدام الانتقائي للنصوص التراثية لتبرير الأيديولوجيات المتطرفة، وكذلك الركود الفكري والتمسك بتفسيرات عفا عليها الزمن. دون مواكبة التطورات المعاصرة والتغيرات الاجتماعية. يمكن أن تكون الخلفيات الثقافية والجغرافية عاملاً في سوء الفهم حول التراث الإسلامي. يعالج الأزهر الشريف المشكلات المتعلقة بالتراث الإسلامي من خلال تعزيز الدراسات الأكاديمية التي تقدم تفسيرات موضوعية وشاملة لنصوص التراث الثقافي، مع مراعاة السياق التاريخي والاجتماعي، وتحديث المناهج الدراسية باستمرار لمواكبة متطلبات العصر. مواكبة ذلك، ومن خلال تصحيح المفاهيم المشوهة مع الحفاظ على القيم الأساسية للدين، يهدف الأزهر إلى تعزيز التعليم الديني الذي يركز على القيم الأساسية للإسلام، مثل التسامح والعدالة والرحمة، وتوضيح بعض التفسيرات. التي تتعارض مع هذه القيم، كما يسعى الأزهر إلى تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات لتصحيح سوء الفهم وبناء الفهم المشترك، ويقدم الأزهر فتاوى توضيحية تهدف إلى تصحيح الفهم الخاطئ عن الدين وتثبيت المواقف الصحيحة أساس المبادئ. ويقدم الأزهر برامج تدريبية لأعضاء هيئاته التعليمية والدينية لضمان تنمية مهاراتهم وفهمهم لتحديات العصر الحديث. ويدعم الأزهر الأبحاث الأكاديمية التي تهدف إلى إعادة التفكير في التفسيرات التقليدية وتقديم رؤى جديدة تتفق مع القيم الإسلامية. وهذا يساعد في جهود تصحيح الصورة المشوهة للإسلام وتراثه، والتأكد من توافق التعاليم الإسلامية مع متطلبات العصر الحديث دون المساس بجوهر الدين.
< إن صورة الإسلام مشوهة بشكل عام في أوروبا والغرب. فكيف يمكن تصحيح هذه الصورة وما هو الدور الذي يلعبه الأزهر في مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
<< إن تشويه صورة الإسلام في الغرب هو بسبب سوء الفهم والمعلومات المغلوطة عن ديننا الحنيف. ولذلك فإن تصحيح هذه الصورة يتطلب التواصل المباشر والصريح مع الشعوب الغربية وتقديم الإسلام بشكله الحقيقي كما نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. باعتباره منارة مركزية للعلوم الإسلامية، يلتزم الأزهر الشريف بتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات، والتواصل مع الجميع لمعارضة جميع أشكال التعصب والكراهية، وتؤكد جولات فضيلة الإمام الأكبر أ. دكتور. ويعد أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خير شاهد في العالم على جهود الأزهر الحثيثة في هذا الصدد.
< العالم الإسلامي منقسم إلى سنة وشيعة. فهل هذا الانقسام سبب ضعف يجعل الدول العربية والإسلامية هدفا سهلا لإسرائيل والغرب؟
<< ولا شك أن الانقسام والصراع والشقاق أشد ضررا وأسرع أثرا في تدمير المجتمعات من غيرها، إذ تؤدي إلى إخفاقات لا أمل في علاجها أو إصلاحها. لقد عاش المسلمون (السنة والشيعة) جنباً إلى جنب في سلام لعدة قرون. كلنا أبناء دين واحد ولغة واحدة. نحن نتقاسم القواسم الإنسانية والقيم الأخلاقية والعادات الاجتماعية المتشابهة، هناك صراعات ونوايا ومصالح مادية، أهمها بيع الأسلحة. إن عالمنا الإسلامي هو سوق لترويج سلعه، ولا سبيل إلى ذلك إلا ببث الفرقة والطائفية بيننا نحن المسلمين. لقد انفتح الأزهر على الحوار الإيجابي مع مختلف المؤسسات الدينية حول العالم، وفي مقدمة أولوياته لقاء المسلمين ووحدتهم فيما بينهم، فضلا عن توحيدهم لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات من أحدث مبادرات الأزهر الشريف التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين مختلف أجزاء الأمة الإسلامية. تم إنشاؤه ترجمة لدعوة سماحة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف خلال منتدى حوار البحرين حيث دعا إلى التوحيد وتعزيز الشؤون الإسلامية ووحدة الأمة.
<هل تؤمن بنظرية مؤامرة العالم الغربي على العالم الإسلامي؟
<< ومن الصعب تعميم هذا الأمر، رغم وجود مؤامرات واعتداءات مستمرة ضد العديد من الدول الإسلامية، وخاصة فلسطين وغزة، ويتجلى ذلك في دعم الدول الكبرى الذي لا ينتهي للكيان الصهيوني الإرهابي في حربه المستمرة في غزة. والتي امتدت الآن إلى مدن الضفة الغربية، نجد العديد من العقلاء وذوي الضمائر الحية من الدول الذين يعبرون عن رفضهم وإدانتهم للأحداث التي يشهدها قطاع غزة المحاصر، وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وأدان الأزهر ذلك، وأعرب الأزهر عن تقديره للموقف الشجاع والشهم الذي اتخذه دون خوف ولا أدب، لضرورة وقف العدوان على الضعفاء والمظلومين في غزة.
< وماذا عن دور الأزهر الشريف في دعم الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف؟
<< على مدى تاريخه الممتد لأكثر من ألف عام، دافع الأزهر عن القضايا الإسلامية والوطنية ولم يتخل عن دوره في الحفاظ على قدسية الإسلام وإرثه من المؤسسات الدينية الداعمة لحقوق الفلسطينيين، والتاريخ هو وخير دليل على ذلك، ولا تزال القضية الفلسطينية من أبرز القضايا التي تناولها سماحة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف يضع هموم مؤسسة الأزهر في المقدمة ويدافع عنها في كافة المحافل الدولية والإقليمية لمناصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وطنه المستقل في إقامة والقدس العاصمة التي سيحدث فيها ذلك، وانطلاقاً من المسؤولية الدينية والتاريخية التي يتحملها الأزهر تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم، واستمراراً لنصرة الأزهر لنضال الشعب الفلسطيني، فقد لفت الأزهر أيضاً العديد من الحاسمات. مواقفه المناهضة للانتهاكات الصهيونية، مستخدماً بأشد العبارات مناشدة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته ووضع حد لسياسة الكيل بمكيالين والدفاع عن حقوق الفلسطينيين في مواجهة ما أسماه “الإرهاب الصهيوني”. مواقف وتصريحات الأزهر الشريف في مصر بقيادة فضيلة الإمام الأكبر د. ولفت أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى الاهتمام ودعم نضال الشعب الفلسطيني، وأشاد بصمود الشعب الفلسطيني وتضحيات مقاومته الباسلة، ودعا الفلسطينيين إلى البقاء في نضالهم. الثبات على الأرض ومعارضة خطط التهجير والترحيل. كما هاجم المؤامرة الغربية ضد القضية الفلسطينية والانحياز الواضح ضد قوة الاحتلال. ودفاعه عن جرائم الحرب الصهيونية.
<ما هي رؤيتك لما يحدث في لبنان؟
<< ما يحدث في لبنان ليس أكثر من حلقة جديدة في مسلسل العدوان والتوحش الصهيوني على مقدرات الشعوب ومحاولة إجرامية للقوة والسيطرة على جزء أكبر من البلاد والدول بشكل مستقل من قبل الشعب اللبناني. عدد من الدول تحول الشرق الأوسط إلى ساحة حروب واتسعت دائرة الصراعات إلى دول ومناطق أخرى، بعد أن تحولت غزة إلى تلال من الركام وشلالات دموية سقط فيها آلاف الضحايا من المدنيين والأبرياء، مما أثر على مصير الجميع. تهدد الشعوب. ومن واجبنا كمسلمين أن نتحد ونبذل قصارى جهدنا لمساعدة إخواننا المضطهدين في فلسطين. ونؤمن إيمانا راسخا بأن نصر الله عز وجل سيأتي لا محالة. التضرع والصبر مهما حل الظلام أو مدى جدية الحاجة. اجتمعت الجماعات واجتمعت الأمم. لأن الأمل في الله كبير ونحن على يقين أن النتيجة ستفيد الصالحين.
< وتبنى رواد العلمانية والتنوير الدعوة إلى نبذ الدين وإقصائه عن المجتمع، كما فعلت أوروبا. وجعلوا من الإسلام سبباً لتخلف المسلمين وانحطاطهم.
<< إن هذه الدعوة البائسة تؤكد أن نظرتهم للدين وخاصة الإسلام خاطئة تماما وتظهر جهلا عميقا بشؤون هذا الدين الكريم الذي يؤكد دائما على قيم الحرية والوسطية ويضمن حرية الاعتقاد للجميع الجميع، تصديقاً لقوله تعالى: “من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر” أو التعدد الثقافي، وهو شرع الله في الكون. العلمانية ليست نموذجا موحدا تبعا للمراحل التي مرت بها، بدءا من إقصاء الدين عن الحياة وفصل الدين عن الدولة بسبب سلوكيات ومفاهيم رجال الدين في القرون الماضية، ذوي العقل والعلم. تناقضت، وانتهى الأمر بنموذج العلمانية المنفتحة والعلمانية التي تقبل الأديان بالتساوي. وطالما تتقدم الدولة، فإن العلمانية بنماذجها المختلفة ستظل حذرة من الدين ووصاياه، وستخلط بين المقدس وغير المقدس، ويجب أن تقدم الدليل على عكس ذلك.
< هناك الكثير من الجدل الدائر حول مسألة الميراث. البعض يرفضه بحجة أنه عمل إنساني معرض للأخطاء، وآخرون يقبلونه على أنه مقدس، وآخرون يطالبون بتنقيته، فهل أنتم تميلون إلى ذلك؟
<< تراثنا الإسلامي يحتاج إلى اعتزاز واعتزاز به لما فيه من كنوز عظيمة أنتجها مناهج بذل فيها علماؤنا أقصى جهودهم لإصلاح المجتمع وتقويمه. والأزهر مؤتمن على الحفاظ على التراث، لأن التراث في عقيدتنا الأزهرية هو نقطة ارتكاز ثابتة نتحرك حولها، ومنها نبدأ حركة علمية حرة. ولذلك، لم يمنعنا شيء من أن نتحرك مرة واحدة، ولم يمنعنا الإرث من التفكير مثل الأزهر. ويستخدم الأزهري العقل في التعامل مع الميراث، لكنه لا يرفضه رفضا قاطعا ولا يتعامل معه بصرامة. بل يستكشف معناه وفهم محتواه بما يصل إلى مصلحة المجتمع. نحن لا نقدس التراث، بل نحترمه ونعتز به، ونستكشفه ونجدده لما فيه من خير للإنسانية جمعاء. نحن ننتقد الاتجاه الحداثي الذي يسعى إلى إلغاء قدسية النص، بل نعمل على تفكيك مكونات الهوية من الإيمان واللغة والتاريخ والقيم. وإذا أدركنا أهمية التراث في الحفاظ على هويتنا ودرء أي محاولة للاعتداء الفكري على الوطن وثوابته، فمن الصدق والموضوعية الكاملة توجيه الشباب للتعامل مع التراث بشكل متوازن وإعطائه حقه في التنقيب عنه. الكنوز المدفونة دون إغفال الواقع وما يحمله من تطورات، وتلك مهمة وطنية بامتياز.
< ظهرت في الآونة الأخيرة موجة من الاعتراضات على الثوابت الدينية والمذهبية والنصوص المخالفة لقانون ازدراء الدين من جانب من يدعون أنهم يفكرون بلغة العصر. ما هو جوابك على ذلك؟
<< الثوابت والنصوص الدينية خط أحمر نلتزم به ونواجه من يفكر في التلاعب بها أو الإضرار بها. إن قواعد الدين الإسلامي لها ثوابت لا يمكن تغييرها أو تجديدها وهي قواعد نهائية ولا يجوز الاعتراض على هذه القرارات أو التعتيم عليها لأن هذا الإسلام موجود منذ أكثر من 14 قرنا لأنه صالح في أي وقت. ومكان ويراعي أحوال الناس وأحوالهم. وشؤونه، وأحكام الإسلام وضعها عاقل حكيم، وهو أمر فوق فهم الناس، ولن يحققوه مهما ظنوا. فكيف يمكنهم تجاهل هذه القواعد ومحاولة تغييرها؟ فهذا أكبر دليل على قصور تفكيرهم، ونسأل الله أن يهديهم ويردهم إلى الحق.
<إن المتربصين بالشريعة الإسلامية يواصلون رميها بالتهم التعسفية ويحاولون عزلها عن واقع المسلمين وحياتهم اليوم. كيف تنظرون إلى هذه المحاولات؟
<< الأزهر يتابع باستمرار كافة الأطروحات التي تطرح في المجتمع. وتتناول مشاكل الأمة وتتصدى لكل من يحاول زعزعة استقرار أمتنا، وأنشأت وحدة «شرح» من مختلف قطاعات الأزهر للرد على الشبهات والأطروحات المطروحة على أرض الواقع. والهدف من ذلك التشكيك في مبادئ الفكر وما ترسخ في ضمير الأمة والتحريف المتعمد للتراث وغير ذلك من الاتهامات غير المبررة للعلم والعلماء، والأزهر بعلمائه وطلابه على قدر كبير من المسؤولية والشجاعة، أن يدافع عن الحق بصدق، ملتزماً بأخلاقيات البحث والمناظرة ودون تشهير أو إساءة، وأن هذه الشبهات التي تثار مرة أخرى أثارها من سبقه، وفسروا أخطائه وضعفه وذله بأسلوب يكبح جماحه. كل متكلم، وهذه الأجوبة تخرج من الباب لحماية الدين من أحد، ومن لم يقرأ علومه يفتت بحفظه. لقد أدرك الأزهر الشريف هذا الاقتراح المريض منذ وقت مبكر، فتابعه بعناية. كان يكفيه أن يتكلم لو أن هؤلاء الناس ثبتوا في برهم، لكنهم عميان في ضلالهم.
<الخطاب الديني لا يُناقش إلا عند حدوث الأزمات، وكأنه “موضة” وليس رسالة أو هدف. كيف تردون على من يهاجمون الأزهر ويتهمونه بالبطء والتهاون؟ عن التجديد؟
<< الأزهر لا يلتزم فقط بالحفاظ على التراث وتجديده، بل قمنا بتجديده وتطويره. ولذلك اتخذ الأزهر الشريف عدة خطوات لتجديد الفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية في إطار رسالته لنشر الدين الإسلامي الحنيف في جميع أنحاء العالم، حيث اتخذ العديد من القرارات لتجديد الخطاب الديني، والتي بدأت عام 2011 بعد توليه منصبه. سماحة الإمام الأكبر د. تولى أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، منصب الإمام الأكبر، ومن ذلك: إصلاح وتطوير مناهج الأزهر وتنقيحها بناءً على نصوص وأقوال تقليدية تقال في سياقات مختلفة لا علاقة لها بالأزهر. الواقع المعاصر وإشراككم بما يساهم في نشر ثقافة السلام والتعايش والمواطنة بين كافة الشعوب والثقافات، ومن خلال عقد المؤتمرات والندوات التي تعزز تجديد الفكر الديني ومناقشة سوء الفهم ونشر الاعتدال والحد من الأفكار المتطرفة والإرهاب مثل: “مؤتمر الأزهر الدولي لمكافحة التطرف والإرهاب عام (2014م)، مؤتمر الحرية والمواطنة…التنوع والشمول عام 2017م، مؤتمر الأزهر الدولي للسلام عام 2017م 2017م”. ومنتدى شباب صانعي السلام 2018م ومؤتمر الأزهر العالمي لدعم القدس” عام (2018م) وندوة “الإسلام والغرب التنوع والشمول” عام (2018م). بالإضافة إلى مراعاة قضايا المرأة وتجديد الفتاوى الشرعية المتعلقة بها، وقد تجلى ذلك بوضوح في مشروع قانون الأزهر للأحوال الشخصية، فلم نترك مجالا دون تحديث التجديد والتطوير، ولم نتجاهل أي شيء المشكلات الجديدة أو الناشئة دون طرق الأبواب والمشاركة الفعالة فيها.
< وقد شن بعض القادة في الغرب والدول الأوروبية حملة هجومية ضد الإسلام والرسول. ما هو برأيك سبب هذه العنصرية وما واجب الأمة تجاهها؟
<< ويعمل الأزهر الشريف من خلال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف والإرهاب على رصد وتتبع الفتاوى والأفكار المتطرفة ودحضها ونشر قيم التسامح والاعتدال. ويقوم المرصد بإنتاج دراسات وتحليلات معمقة حول القضايا المتعلقة بالإرهاب والتطرف ويستخدم التقنيات الحديثة للتواصل مع مختلف الفئات والمجتمعات بهدف التوعية بخطورة الأفكار المتطرفة وتأكيد الدور الريادي للمنظمة. الأزهر ينشر الاعتدال والسلام. كما يتولى المرصد مهمة رصد الحملات التي تشنها بين الحين والآخر الجماعات والأحزاب المتطرفة بهدف تشويه صورة المسلمين في الدول الغربية. وهي تعمل على بلورة رؤية شاملة للاستجابة لمثل هذه الحملات. ودحضاً لهم وبيان مدى تضليلهم وأكاذيبهم، فقد تمكنا في الآونة الأخيرة من التصدي للعديد من هذه الحملات وتسليط الضوء على الحملات التي تقف وراءها، والتي تهدف إلى تأجيج نيران الصراع من خلال ما يبدو أنهم يقومون به كقوة إرهابية. عدم التحرك يندد باحترام الأديان، علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الحملات ليست موجهة ضد الإسلام تحديدًا، بل ضد كل ما هو ديني، ومثال على ذلك ما رأيناه مؤخرًا برسومات تهدف إلى إهانة السيد المسيح حفل افتتاح “ الألعاب الأولمبية في باريس”. وهي حملات هدفها واضح للجميع، وهو التشكيك في الأديان والترويج للأفكار الملحدة، التي نعارضها بكل ما أوتينا من قوة.
«إننا نخشى محو الهوية الإسلامية لأبناء الأقليات في الغرب، سواء في الحاضر أو في المستقبل، وخاصة بين الأجيال التي ولدت وعاشت في الغرب وانقطعت عن دينها ووطنها. فماذا حدث؟ الأزهر يفعل للحفاظ على الهوية؟
<< بداية أود أن أوضح أن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر يرفض استخدام مصطلح “الأقليات” عند الإشارة إلى الجماعات الدينية، ويرى أن هذا المصطلح يعزز الشعور بالانقسام وأن منه يمكن أن يقلل من الوحدة الإنسانية المطلوبة. وبدلا من ذلك، يفضل استخدام المصطلحات التي تعكس التعايش والتكامل بين جميع أفراد المجتمع، دون تصنيفهم حسب حجمهم وعددهم. وفيما يتعلق بسؤالك: الأزهر الشريف موجود في العديد من الدول بفضل الله تعالى، حيث لدينا أكثر من 900 مبعوث من الأزهر في أكثر من 100 دولة حول العالم ومهمتهم الأساسية هي القيام بذلك للنشر. وتدريس مناهج الأزهر المركزي في البلدان التي يعيشون فيها… فاللغة العربية والحفاظ على الهوية الإسلامية لأبناء المسلمين الذين يعيشون في هذه البلدان جزء لا يتجزأ من دور الأزهر الشريف. -الشريف بالحفاظ على اللغة العربية وإحياء دين الله في نفوس المسلمين والحفاظ على التراث الإسلامي.
< ما رؤيتكم للشراكة بين الأزهر الشريف والفاتيكان وأثر هذا التعاون على قضايا التعايش والسلام بين الشعوب؟
<< في عهد سماحة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور . أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، حقق الأزهر نجاحات كبيرة في السنوات الأخيرة على مستوى الحوار بين الأديان، بما في ذلك تنشيط العلاقات مع الفاتيكان والتغلب على فترة الركود التي شهدتها العلاقات بين الأزهر الشريف. أكبر مؤسستين دينيتين في العالم لفترات طويلة من الزمن. هذه هي الجهود التي توجت بالتوقيع على وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي عام 2019، مما يجعل هذه الوثيقة من أهم الوثائق الداعية إلى السلام وتعزيز روح الحوار والتسامح حول العالم، ولا شيء أوضح منها كون الأمم المتحدة اعتمدت يوم توقيعها 4 فبراير، وهو العام الذي يحتفل فيه العالم كله بالأخوة الإنسانية. ولذلك فإن التعاون بين الأزهر والفاتيكان أمر بالغ الأهمية لتحقيق التعايش وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح بين أتباع هاتين المؤسستين العظيمتين حول العالم.
< كيف ترى الفوضى في إصدار الفتاوى والفقه في العالم العربي وكيف يرى البعض مجال الفتوى وسيلة لتضليل الناس والانحراف عن مبادئ الإسلام؟
<< ضبط الفتاوى والتعامل مع فوضى الفتاوى من القضايا التي كانت ولا تزال وستظل دائما في مقدمة أولويات الأزهر الشريف وفضيلة الإمام الأكبر، ولنا في الماضي جهود كثيرة بذلت تم على مر الزمن، بالتعاون مع المؤسسات الدينية المصرية وعلى رأسها وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية، ضبط الفتاوى ومواجهة فوضى الفتاوى، خاصة في الفترة الأخيرة التي ظهرت فيها العديد من الفتاوى المضللة والمغلوطة. وكان ذلك نتيجة لانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والتقدم التكنولوجي الذي سهل للكثيرين إصدار الفتاوى بغير علم، وتأسس الأزهر الشريف لمواجهة ذلك. سننشئ مركزًا عالميًا للفتاوى التواصلية الإلكترونية، مهمته الأساسية مكافحة الفتاوى المضللة والمخطئة ودحضها وتقديم الأجوبة العلمية عليها، من خلال نخبة متخصصة من أكفأ الباحثين في مجال الفتاوى من أبناء الوطن. الأزهر الشريف نجحنا والحمد لله في وقف حالة الفوضى هذه وسنعمل خلال هذه الفترة. والخطوة التالية هي حل هذه القضية بشكل نهائي، وأن يكون مصدر الفتوى فقط الجهات المعترف بها في المحافظة. الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف، وأن يتم ذلك عن طريق العلماء المعتمدين في الإفتاء، وذلك لحرمان الضعفاء وأنصاف الطلاب من فرصة إصدار فتاوى غير منضبطة أو مضللة. .
< كيف تقيمون الحوار الوطني الذي نشهد فعالياته اليوم في إطار الدعوة التي أطلقتها القيادة السياسية؟ وما هي القضايا التي تعتقد أنها الأكثر إلحاحا لوضعها على جدول أعمال الحوار؟
<< ولا يخفى على أحد أن مصر والعالم أجمع تواجه تحديات غير مسبوقة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، مما يزيد من التهديد للأمن والاستقرار، كما يعرض للخطر تحقيق خطط التنمية الشاملة بالإضافة إلى وهذه التحديات ذاتها يأتي دور وأهمية الحوار الوطني المصري في تحديد خريطة أولويات العمل الوطني في المرحلة المقبلة. ولعل أهم الملفات والقضايا الأكثر إلحاحا على أجندة الحوار الوطني هي قضايا الأمن والاستقرار، إضافة إلى التحديات الاقتصادية التي تعد حاليا من بين الأولويات الرئيسية، فضلا عن قضايا التغير المناخي والصراعات الإقليمية التي لها أهمية خاصة. وتأثيرها المباشر على الاستقرار، فضلاً عن ربط قضايا التعليم والصحة بتحقيق التنمية المستدامة التي تسعى الدولة المصرية لتحقيقها.
< في الآونة الأخيرة، حدث هجوم حاد على الصوفية بسبب تصرفات بعض أعضائها. ما حقيقة الصوفية وكيف ترد على من يهاجمها؟
<< حقيقة التصوف هي التقوى والزهد وعبادة الطاعة والبعد التام عن دناءة الأخلاق يقوم بالدرجة الأولى على الدراسة والاطلاع على علوم الشرع واللغة والالتزام بنصوص كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولنا نماذج مشرقة كثيرة من كبار العلماء الذين اتبعوا الصوفية، مثل فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر رحمه الله. حفظه الله، والإمام عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق، والإمام محمد متولي الشعراوي وغيرهم الكثير من العلماء الكبار الذين ضربوا نماذج من التصوف ولم يتطرق إليه قط… الصوفية هي ما ظهر من بين الحين والآخر في سلوكيات بعض أعضائها أو من يدعون التصوف زوراً. كل هؤلاء لا يعرفون حقيقة التصوف، ولن يكون لسلوكهم البعيد عن التصوف أي تأثير على حقيقة التصوف وقيمته الروحية والدينية العظيمة.
< كيف تقيمون إطلاق “المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية” – بداية جديدة للتنمية البشرية؟
<< إن إطلاق المبادرة الرئاسية “بداية جديدة لبناء الإنسان” يمثل خطوة حاسمة نحو تنمية القدرات البشرية في مصر، والأزهر الشريف يرى في هذه المبادرة فرصة عظيمة لتعزيز القيم الأخلاقية والعلمية لدى الشباب وترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية والانتماء، حيث تركز المبادرة على التنمية الشاملة للإنسان من خلال تنمية قدراته وتعميق وعيه بمسؤولياته تجاه المجتمع. وسيشارك الأزهر بشكل كبير في دعم هذه المبادرة من خلال برامجه التثقيفية والتوعوية لتحقيق الأهداف المنشودة الرامية إلى تنمية الشخصية المصرية وتعزيز قدرتها على مواجهة تحديات العصر. نؤمن أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأهم وأن هذه المبادرة ستساعد في خلق جيل قادر على تحقيق التنمية المستدامة لمصر. وفي الواقع، لقد شارك الأزهر وقطاعاته المختلفة في المبادرة منذ انطلاقتها، كما قمنا بتنفيذ العديد من البرامج في هذا الإطار وما زلنا نقوم بذلك.
<وأخيرا.. رسالة لمن؟
<< أود أن أوجه رسالة إلى كافة أفراد المجتمع، وخاصة الشباب وطلبتنا وطلبتنا، أن يستغلوا التعليم والعمل الجاد لتحقيق أهدافهم وتطوير مهاراتهم. وأقول لكم جميعا: “إن العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم يوفر فرصا هائلة للتعلم والنمو، وعلينا أن نستغل هذه الفرص قدر الإمكان”. الإبداع في مجالاتهم. وتذكر دائماً أن النجاح يتطلب المثابرة والإصرار وأن العمل الجاد هو الطريق لتحقيق الأهداف الكبيرة. نحن في الأزهر الشريف نؤمن بقدراتكم ونلتزم دائمًا بدعمكم وتهيئة البيئة المناسبة لتميزكم ونجاحكم. كما أوجه رسالة إلى القادة والتربويين في كافة المؤسسات التعليمية والدينية حول العالم لمواصلة دعم الشباب وتوجيههم نحو القيم النبيلة والعمل المثمر، مع الحفاظ على روح التعاون والتفاهم والسلام بين جميع الناس يمكن أن يعزز. .