اقتصاد

مصانع الصلب والحماية المفقودة من غول إغراق البليت

هناك فرق كبير بين مصانع إنتاج الصلب المتكاملة وشبه المتكاملة ومصانع الدرفلة. الأولى هي الشركات الكبيرة جدًا التي تنتج جميع مستويات الصناعة، بدءًا من المربعات الفولاذية والبلاط وحتى المنتج النهائي، وهو حديد التسليح. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمارات هائلة وعدد العمال وتكاليف التشغيل والإنتاج مرتفعة للغاية. أما مصانع الدرفلة فهي أشبه بعصارات قصب السكر -إذا صح القياس- من حيث أنها تستورد كميات كبيرة من البيليت بأسعار رخيصة جداً ثم تقوم بدحرجتها دون أي إجهاد أو خسارة. وهذا ما يحدث – للأسف – في السوق المصري المفتوح تماماً لاستيراد الطبليات!

غياب الحماية للصناعة.. الخطر الأكبر إن غياب الحماية لشركات إنتاج الصلب المتكاملة وشبه المتكاملة يخلق عقبات مباشرة أمامها ويحد من فرص الإنتاج والتصدير لديها. ويجب على الحكومة تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على الدول التي تفرض قيودا على الصادرات المصرية، مما يؤدي إلى منافسة غير عادلة تحد من القدرة التنافسية للصناعة المصرية في الأسواق الخارجية، وتسبب خسائر فادحة لصناعة الصلب المحلية.

وإذا نظرنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فسنجد أنها تطبق رسوم وقائية بنسبة 25% على وارداتها من المنصات، وتركيا 17%، والمملكة العربية السعودية 12%، والجزائر 11%، وفيتنام 10%، وجنوب أفريقيا 10%. وبينما لا تفرض مصر تعريفات وقائية على واردات البليت، استغلت بعض شركات الدرفلة المحلية ذلك واستوردت كميات ضخمة الأسبوع الماضي وصلت إلى 100 ألف طن، رغم أن البليت يعتبر منتج نصف نهائي ويمثل إنتاج متأخر على عكس المصانع المتكاملة. التي تغطي تكاليف كافة مراحل عملية إنتاج المواد الخام بدءاً بالحديد الإسفنجي (DRI)، ويجب على الحكومة ووزارة التجارة والمالية والصناعة الانتباه إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين المصانع المتكاملة العاملة في كافة مراحل الصناعة والإنتاج والتصدير وتدر الإيرادات الدولارية للخزينة الوطنية، وبين مصانع الدرفلة التي تستورد. فقد تم بيعه بأسعار مخفضة، مستفيدين من الركود العالمي، والركود في الصين ــ أكبر منتج ومستهلك للصلب في العالم ــ والافتقار إلى التعريفات الجمركية التي استنزفت واردات البلاد. هناك أيضًا فرق كبير بين المصانع التي تتكبد تكاليف باهظة والقوى العاملة الرهيبة. وأعني بذلك المصانع المتكاملة وشبه المتكاملة. فهي تنتج وتصدر إلى الأسواق الخارجية، وبعض المصانع لا تستورد وتعالج الخامات ولا تضيف لها أي قيمة، ولا تصدر كميات مقابلة من حديد التسليح. وهذا يتطلب إعادة النظر في التراخيص الممنوحة لمصانع الدرفلة والالتزام بتصديرها عند استيراد العروق حتى تتمكن الدولة من تحقيق الإيرادات بالدولار. إضافة إلى ذلك، أصبح من الضروري جداً فرض رسوم جمركية على واردات الخام، أسوة بما يحدث في الدول التي سبق ذكرها في السطور السابقة.

حقيقة الأسعار المتداولة في المصانع المتكاملة ومصانع الدرفلة

 

مطلع الأسبوع الماضي، قامت بعض المصانع الصغيرة التي سبق لي مقارنتها بمكابس الأنابيب، بتخفيض أسعار حديد التسليح بعد أخذ الدولارات من البنوك واستيراد القضبان من الخارج. ووصل الانخفاض إلى أكثر من 1000 جنيه و1500 جنيه في بعض المصانع وكان ذلك الأسبوع الماضي ثم لم ترفع المصانع المتكاملة أسعارها بل استقرت عليها حتى اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 حيث حدثت المفاجأة المدوية وهي الزيادة. في أسعار جميع المواد الخام في البورصات العالمية، بدءاً من الخردة المعدنية وحتى المربعات الفولاذية.

عالمياً ارتفعت أسعار الخردة بنحو 17 دولاراً للطن مقارنة بسعر الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، حيث وصل سعر طن الخردة اليوم 6 أكتوبر إلى 385 دولاراً، وكان نحو 368 دولاراً الأسبوع الماضي وكذلك الأسبوع الذي سبقه. وكان سعره حوالي 364 دولارًا و365 دولارًا، أي بزيادة قدرها حوالي 17 دولارًا للطن. وكما قلت فإن نسبة الزيادة في خام الحديد “خام الحديد” وصلت إلى 25%، إذ بلغ سعر الطن نحو 110 و111 دولارا، وتجاوز شهر سبتمبر/أيلول 89 دولارا و93 دولارا على أقصى تقدير في أستراليا، أكبر مورد للخام في العالم. وتجاوزت نسبة الزيادة في أسعار النفط الخام 25%.

ارتفعت أسعار حديد التسليح من 455 دولاراً و485 دولاراً في الأسبوع الأخير من سبتمبر إلى 470 دولاراً و495 دولاراً للطن اليوم 6 أكتوبر 2024. وارتفعت أسعار حديد التسليح إلى 630 دولاراً في السوق التركية ولم تتجاوز 630 دولاراً في الأسبوع الأخير من سبتمبر أكثر من 585 دولارًا. كما ارتفعت أسعار لفائف الأسلاك إلى أكثر من 630 دولارًا فوب، وفي الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر لم يتجاوز السعر 595 دولارًا و600 دولارًا للطن. كما ارتفعت أسعار الصفائح المسطحة المدرفلة على الساخن إلى أكثر من 520 دولارًا للطن!

من يتأثر؟

من المؤكد أن أول المتضررين هي مصانع الصلب المتكاملة وشبه المتكاملة، كونها تشكل العمود الفقري للصناعة المصرية بشكل عام، رغم الضرر الكبير الذي لحق بالمصانع المتكاملة اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024، من زيادة المواد الخام أسعارها في البورصات العالمية اضطرت واضطرت إلى تخفيض أسعارها رغم ارتفاع أسعار المواد الخام بعد أن استوردت مصانع الدرفلة أكثر من 100 ألف طن بالتات من الخارج بنحو 2500 جنيه للطن السويس للصلب خفضته بـ 2600 جنيه . أما باقي المصانع فتعلن أسعارها تدريجياً، ونؤكد أن هذه الأسعار لن تستمر طويلاً في ظل الفوضى الكبيرة التي تشهدها أسعار المواد الأولية في البورصات العالمية، والعنصر الحاسم، كما ذكرت في العديد من التحليلات، هو عنصر التكلفة وعنصر التكلفة أسعار المواد الخام في البورصات العالمية.

التعريفات الجمركية على الواردات المسطحة منخفضة وإذا لم تكن هناك حماية لواردات البليت في مصر، فإن الرسوم الجمركية المفروضة على واردات الصلب المسطح المدرفل على الساخن لا تتناسب تمامًا مع التعريفات الجمركية التي تفرضها العديد من الدول، كما أن الرسوم الجمركية المنخفضة على واردات الصلب المسطح تؤثر على السوق المحلية، أ أرض خصبة للدول الأخرى التي تحاول بكل قوتها حماية أسواقها من تدفق الواردات، والدليل على ذلك أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن تفرض قيودا صارمة على صادرات الصلب المسطح من الصين ودول أخرى، والآن قامت كندا بفرض رسوم إغراق على العديد من دول العالم مثل الصين وفيتنام، وكذلك ضد مصر في حالة لفائف الأسلاك. وخلاصة القول نخاطب وزراء الصناعة والاستثمار والتجارة والمالية ونقول بإيجاز إن مصانع الصلب المتكاملة وشبه المتكاملة التي تنتج وتصدر وتدر إيرادات دولارية لخزينة الدولة هي أول من يجب الاهتمام به وحمايته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى