«حسابات معقدة» تطارد ترمب وهاريس
تتجه أنظار العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصاً إلى الثلاثاء المقبل، في انتظار الكلمة الأخيرة بين المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديموقراطية كامالا هاريس. إن ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لن يكون كما قبله، من حيث التداعيات والتأثيرات والسياسات التي ستكون حاسمة في مسار الأزمات والصراعات ومستقبل المنطقة.
واتسم السباق على البيت الأبيض بالمنافسة الشديدة بين المرشحين. وقد سعى كل منهم إلى الفوز بأصوات عدة مجموعات، بما في ذلك الناخبين اليهود، الذين، على الرغم من حصتهم الصغيرة في المجتمع الأمريكي (2.2%)، يتمتعون بنفوذ كبير في ولايات حاسمة مثل فلوريدا وبنسلفانيا.
التاريخ والحسابات الجديدة
تاريخيا، يميل اليهود الأميركيون إلى دعم الحزب الديمقراطي إلى حد كبير، وقد صوت نحو 77% منهم لصالح جو بايدن في انتخابات 2020، بينما حصل ترامب على 22% فقط. ويعود هذا الاتجاه إلى توافق القيم الليبرالية للحزب الديمقراطي مع أولويات اليهود الأميركيين. وتشمل هذه موضوعات مثل الديمقراطية وحقوق المرأة والصحة وحقوق الأقليات. لكن (الحسابات اليهودية) كانت مختلفة هذه المرة، إذ فرضت العلاقات الأميركية الإسرائيلية والقضايا الجيوسياسية مثل الوضع في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها حرب غزة، واقعاً مختلفاً يمكن أن يلعب دوراً في تخصيص هذه الأصوات للمرشح. وتفوز الأجندة التي تدعم إسرائيل بأكبر قدر ممكن، مما يزيد من فرص تغيير حصص التصويت اليهودية ببساطة. هذه (الحسابات) الملقاة على عتبة البيت الأبيض، دفعت المرشح الجمهوري إلى إحداث اختراق في الكتلة اليهودية استنادا إلى سياسته الداعمة لإسرائيل خلال فترة رئاسته، في محاولة لجذب الناخبين اليهود المحافظين، وهو ما دفع المرشح الديمقراطي فعلته للحصول على دعم الكتلة اليهودية؛ أي أن المواقف التي عبروا عنها بشأن حربي غزة ولبنان، وكذلك بشأن مستقبل المنطقة، متشابهة. واتفق المرشحان على دعم إسرائيل وتزويدها بكل ما تحتاجه من أسلحة، على أساس أن «أمن إسرائيل خط أحمر» للحفاظ على دعم اللوبي اليهودي. وأدى ذلك إلى تقارب «محير» في نتائج استطلاعات المرشحين.
الإعلام الغربي و”الحسابات الجديدة”
ونشرت مجلة يو إس إيه توداي تقريرا لخص نقاط ضعف هاريس، وقالت إنها أظهرت قدرا أكبر من التعاطف مع غزة، لكن وضعها لم يكن مثاليا. وهذا ما يفسر رغبة الكثيرين في عدم المشاركة في الانتخابات. لقد وجدت أنه من المثير للاهتمام أن هاريس وترامب قالا في وقت واحد إن “اغتيال يحيى السنوار هو فرصة للتوصل إلى اتفاق أو عقد صفقة” دون أن يقصدا القيام بذلك، بل كان ترامب يعني أن إدارة بايدن تعمل على تقويض نتنياهو. وهذا التصريح، رغم كونه شخصياً، يعكس رهانات متبادلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الانتخابات.
وتوقعت المجلة أن يحصل هاريس على نحو 60% من أصوات اليهود. وبحسب الرأي العام الإسرائيلي، فقد فاز بايدن بنسبة 78% من تلك الأصوات في انتخابات 2020.
وانتقدت التقارير الغربية بشدة هاريس لتغييرها المتكرر لمواقفها السياسية بشأن الحرب على غزة لتعكس الحسابات الانتخابية المتغيرة. لقد مالت في البداية نحو توازن معين للفوز بأصوات اليسار والشباب الغاضب، ثم انتقلت بعد ذلك إلى الدعم الصريح لإسرائيل للحفاظ على الدعم المالي والسياسي التقليدي لحزبها.
لكن ما لم تأخذه هاريس في الاعتبار هو الهدية الترويجية التي يمكن أن تقدمها لترامب من خلال تبني نوع من التوازن في خطابها الأخير. خوفاً من خسارة بعض الولايات المتأرجحة التي تتركز فيها أقلية عربية مؤثرة، مثل ميشيغان، التي تميل إلى الامتناع عن التصويت أو رمي الأوراق الفارغة في صناديق الاقتراع.
الصوت اليهودي والدول الحاسمة
وعن الإعلام الإسرائيلي كتبت صحيفة (جيروزاليم بوست): «إذا كنتم تريدون مصلحة إسرائيل فلا تصوتوا لهاريس». وطرحت سؤالاً حول من هو الرئيس الأكثر إيجابية من وجهة نظر إسرائيل. ويرى المراقبون أن الإجابة على هذا السؤال ستؤثر بشكل واضح على مزاج اللوبي اليهودي. الجواب يتماشى مع سياسة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي اتهم هاريس بإلقاء اللوم دائما على إسرائيل واتهامها بقتل العديد من المدنيين في غزة. وأرجع ذلك أيضاً إلى معارضتها للحرب على إيران عام 2020، من خلال تصويتها لمشروع سحب القوات الأمريكية من اليمن عام 2009، كما انتقدت الهجوم الأمريكي على مواقع عسكرية في سوريا عام 2018، متهمة باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وفي تقارير مماثلة نشرتها الصحف الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة، ذكرت قائمة طويلة من القرارات التي اتخذها ترامب. منها: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، قيادة المفاوضات لاستكمال اتفاقات إبراهيم، إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، إنهاء الدعم للأونروا، الخروج من مجلس حقوق الإنسان وإدراج الحوثيين في القائمة. قائمة الإرهاب الدولي.
ومن الواضح أن (التقارير الجديدة) تعكس ديناميكية سياسية تسمح للصوت اليهودي بالتأثير على الدول الحاسمة. هل سيساعد في تغيير التوازن السياسي بين الحزبين؟
ومن الجدير بالذكر أن نسبة التصويت اليهودي تبلغ 2% فقط على المستوى الوطني، ولكنها مهمة في بعض الولايات المتأرجحة. في جورجيا 1.3%، وفي بنسلفانيا 3.5%، وفي أريزونا 3%، لذلك يكفي أن يحصل المرشح على 0.5% فقط لتغيير كل شيء. تذكر، في عام 2020، فاز بايدن بولاية أريزونا بحصوله على 0.3% فقط من تلك الأصوات.